(صلى الله علية وسلم)
من مولده وحتى وفا ته موسوعة كاملة
عــــــام الفيل
كان سبب قصة أصحاب الفيل - على ما ذكر محمد بن إسحاق -
أن أبرهة بن الصباح كان عاملا للنجاشي ملك الحبشة على اليمن
فرأى الناس يتجهزون أيام الموسم إلى مكة - شرفها الله - فبنى كنيسة بصنعاء .
وكتب إلى النجاشي " إني بنيت لك كنيسة لم يبن مثلها ،
ولست منتهيا حتى أصرف إليها حج العرب " فسمع به رجل من بني كنانة فدخلها ليلا .
فلطخ قبلتها بالعذرة . فقال أبرهة من الذي اجترأ على هذا ؟
قيل رجل من أهل ذلك البيت سمع بالذي قلت . فحلف أبرهة ليسيرن إلى الكعبة حتى يهدمها .
وكتب إلى النجاشي يخبره بذلك فسأله أن يبعث إليه بفيله .
وكان له فيل يقال له محمود لم ير مثله عظما وجسما وقوة . فبعث به إليه .
فخرج أبرهة سائرا إلى مكة . فسمعت العرب بذلك فأعظموه ورأوا جهاده حقا عليهم .
فخرج ملك من ملوك اليمن ، يقال له ذو نفر . فقاتله .
فهزمه أبرهة وأخذه أسيرا فلما أراد قتله قال له ذو نفر أيها الملك لا تقتلنى واستبقنى،
خيرا لك ، فاستبقاه وأوثه . وكان أبرهة رجلا حليما .
فسار حتى إذا دنا من بلاد خثعم خرج إليه نفيل بن حبيب الخثعمي ،
ومن اجتمع إليه من قبائل العرب . فقاتلوهم فهزمهم أبرهة . فأخذ نفيلا ،
فقال له أيها الملك إنني دليلك بأرض العرب ، وهاتان يداي على قومي بالسمع والطاعة .
فاستبقني خيرا لك . فاستبقاه . وخرج معه يدله على الطريق.
فلما مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب في رجال من ثقيف .
فقال له أيها الملك نحن عبيدك . ونحن نبعث معك من يدلك .
فبعثوا معه بأبي رغال مولى لهم . فخرج حتى إذا كان بالمغمس مات أبو رغال ،
وهو الذي يرجم قبره . وبعث أبرهة رجلا من الحبشة - يقال له الأسود بن مفصود
- على مقدمة خيله وأمر بالغارة على نعم الناس . فجمع الأسود إليه أموال الحرم .
وأصاب لعبد المطلب مائتي بعير . ثم بعث رجلا من حمير إلى أهل مكة ،
فقال أبلغ شريفها أنني لم آت لقتال بل جئت لأهدم البيت . فانطلق فقال لعبد المطلب ذلك .
فقال عبد المطلب : ما لنا به يدان . سنخلي بينه وبين ما جاء له . فإن هذا بيت الله.
وبيت خليله إبراهيم . فإن يمنعه فهو بيته وحرمه .
وإن يخل بينه وبين ذلك فوالله ما لنا به من قوة .
قال فانطلق معي إلى الملك - وكان ذو نفر صديقا لعبد المطلب -
فأتاه فقال يا ذا نفر هل عندك غناء فيما نزل بنا ؟
فقال ما غناء رجل أسير لا يأمن أن يقتل بكرة أو عشيا ،
ولكن سأبعث إلى أنيس سائس الفيل فإنه لي صديق فأسأله أن يعظم خطرك عند الملك .
فأرسل إليه فقال لأبرهة إن هذا سيد قريش يستأذن عليك .
وقد جاء غير ناصب لك ولا مخالف لأمرك ، وأنا أحب أن تأذن له.
وكان عبد المطلب رجلا جسيما وسيما . فلما رآه أبرهة أعظمه وأكرمه .
وكره أن يجلس معه على سريره . وأن يجلس تحته .
فهبط إلى البساط فدعاه فأجلسه معه . فطلب منه أن يرد عليه مائتي البعير التي أصابها من ماله .
فقال أبرهة لترجمانه قل له إنك كنت أعجبتني حين رأيتك . ولقد زهدت فيك .
قال لم ؟ قال جئت إلى بيت - هو دينك ودين آبائك ، وشرفكم وعصمتكم - لأهدمه .
فلم تكلمني فيه وتكلمني في مائتي بعير ؟ قال أنا رب الإبل .
والبيت له رب يمنعه منك . فقال ما كان ليمنعه مني . قال فأنت وذاك .
فأمر بإبله فردت عليه . ثم خرج وأخبر قريشا الخبر .
وأمرهم أن يتفرقوا في الشعاب ويتحرزوا في رءوس الجبال خوفا عليهم من معرة الجيش . ففعلوا .
وأتى عبد المطلب البيت . فأخذ بحلقة الباب وجعل يقول
يا رب لا أرجو لهم سواكا يا رب فامنع منهم و حماكا
إن عدو البيت من عاد اكا ف امنعهم و أن يخربوا قراكا
وقال أيضا : لا هم إن المرء يمــــــــنع رحله وحلاله فامنع حلالك
لا يغلبن صليبهــــم و محالهم غدوا محالك
جروا جموعهم وبلادهم والفيل كي يسبوا عيالك
إن كنت تاركهم وكعـ بتنا فأمر ما بدا لك
ثم توجه في بعض تلك الوجوه مع قومه . وأصبح أبرهة بالمغمس قد تهيأ للدخول .
وعبأ جيشه . وهيأ فيه . فأقبل نفيل إلى الفيل . فأخذ بأذنه . فقال ابرك محمود .
فإنك في بلد الله الحرام . فبرك الفيل فبعثوه فأبى . فوجهوه إلى اليمن ، فقام يهرول .
ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك . ووجهوه إلى المشرق ففعل ذلك .
فصرفوه إلى الحرم فبرك . وخرج نفيل يشتد حتى صعد الجبل
فأرسل الله طيرا من قبل البحر مع كل طائر ثلاثة أحجار . حجران في رجليه وحجر في منقاره .
فلما غشيت القوم أرسلتها عليهم . فلم تصب تلك الحجارة أحدا إلا هلك .
وليس كل القوم أصابت . فخرج البقية هاربين يسألون عن - 36 - نفيل ليدلهم على الطريق إلى اليمن .
فماج بعضهم في بعض . يتساقطون بكل طريق ويهلكون على كل منهل .
وبعث الله على أبرهة داء في جسده . فجعلت تساقط أنامله حتى انتهى إلى صنعاء وهو مثل الفرخ .
وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ثم هلك .