توبة رجل من أدعياء تحرير المرأة
(ذهب فلان إلى أوروبا وما ننكر من أمره شيئاً، فلبث فيها بضع سنين ثم عاد وما بقي مما كنا نعرفه عنه شيء. ذهب بوجه كوجه العذراء ليلة عرسها، وعاد بوجه كوجه الصخرة الملساء تحت الليلة الماطرة.. وذهب بقلب نقي طاهر، يأنس بالعفو ويستريح إلى العذر، وعاد بقلب مظلم مدخول، لا يفارقه السخط على الأرض وساكنها، والنقمة على السماء وخالقها. وذهب بنفس غصـة خاشعة ترى كل نفس [مسلمة] فوقها، وعاد بنفس ذهابة نزاعة لا ترى شيئاً فوقها، ولا تلقي نظرة واحدة على ما تحتها، ذهب وما على وجه الأرض أحب إليه من دينه وأهله، وعاد وما على وجهها أصغر في عينيه منهما.
كنت أرى أن هذه الصورة الغريبة التي يتراءى فيها هؤلاء الضعفاء من الفتيان العائدين من تلك الديار إلى أوطانهم إنما هي أصباغ مفرغة على أجسامهم إفراغاً تطلع عليه شمس المشرق فتمحوها كأن لم تكن، وأن مكان المدنية الغربية من نفوسهم مكان الوجه من المرأة؛ أذا انحرف عنها زال خياله منها، فلم أشأ أن أفارقه وفاء لعهده السابق، ورجاء لغده المنتظر، محتملاً في سبيل ذلك من حمقه ووسواسه وفساد تصوراته وغرابة أطواره؛ ما لا طاقة لمثلي باحتمال مثله، حتى جاءني ذات ليلة بداهية الدواهي ومصيبة المصائب، فكانت آخر عهدي به.
دخلت عليه فرأيته واجماً مكتئباً، فحييته، فأومأ إلىّ بالتحية إيماءً. فسألته ما باله؟ فقال: مازلت منذ الليلة من هذه المرأة في عناء لا أعرف السبيل إلى الخلاص منه، ولا أدري مصير أمري فيه.. قلت: وأي امرأة تريد؟ قال: تلك التي يسميها الناس زوجتي، وأسميها الصخرة العاتية؛ القائمة في طريق مطالبي وآمالي.. قلت: إنك كثير الآمال؛ فعن أي آمالك تتحدث؟ قال: ليس لي في الحياة إلا أمل واحد وهو أن أغمض عيني ثم أفتحها فلا أرى غطاءُ على وجه امرأة في هذه الأمة..(!!) ([2]) قلت: ما لا تملكه ولا رأى لك فيه قال: إن كثيراً من الناس يرون في الحجاب رأيي، ويتمنون في أمره ما أتمنى ولا يحول بينهم وبين تمزيقه عن وجه نسائهم وإبرازهن إلى الرجال إلا العجز والضعف والهيبة التي لا تزال تلم بنفس الشرقي كلما حاول الإقدام على أمر جديد(!!)، فرأيت أن أكون أول هادم لهذا البناء العادي ([3]) القديم الذي وقف سداً دون سعادة الأمة وارتقائها دهراً طويلاً(!!) وأن يتم على يدي من ذلك ما لم يتم على يد أحد غيري من دعاة الحرية وأشياعه... ([4]) فعرضت الأمر على زوجتي فأكبرته وأعظمته، وخيل إليها أنني جئتها بنكبة من نكبات الدهر أو رزية من رزاياه، وزعمت أنها إن برزت للرجال فإنها لا تستطيع أن تبرز للنساء من بعد ذلك حياءً وخجلاً.. ولا خجل هناك ولا حياء ولكنه الموت والجمود(!!) فلابدّ ينتهي بإحدى الحسنين(!!) إما بشفائه أو بكسره.
فورد من حديثه ما ملأ نفسي هماً وحزناً وقلت له: أعالم أنت أيها الصديق بما تقول؟! قال: نعم؛ أقول الحقيقة التي أعتقدها وأدين نفسي بها، واقعة من نفسك ونفوس الناس جميعاً حيث وقعت.
قلت: هل تأذن لي أن أقول لك: إنك عشت برهة من الزمان في ديار قوم لا حجاب بين رجالهم ونسائهم، فهل تذكر أن نفسك حدثتك يوماً من الأيام وأنت فيهم، بالطمع في شيء مما لا تملك يمينك، فنلت ما تطمع فيه من حيث لا يشعر مالكه؟ قال: ربما وقع لي شيء من ذلك، فماذا تريد؟
قلت: أريد أن أقول لك إني أخاف على عرضك أن يلم به من الرجال ما ألمَّ بأغراض الرجال منك.
قال: إن المرأة الشريفة تستطيع أن تعيش بين الرجال من شرفها في حصن حصين لا تمتد إليه الأعناق (!!!)..
فتداخلني ما لم أملك نفسي معه، وقلت له: تلك هي الخدعة التي يخدعكم بها الشيطان أيها الضعفاء، والثلمة التي يعثر بها في رؤوسكم؛ فينحدر منها إلى عقولكم ومدارككم فيفسدها عليكم.. فالشرف كلمة لا وجود لها إلا في قواميس اللغة ومعاجمها، فإن أردنا أن نفتش عنها في قلوب الناس وأفئدتهم فإنا لا نجدها.. قال: أتنكر وجود العفة بين الناس؟!
قلت: لا أنكرها لأني أعلم أنها موجودة عند كثير من الناس ولكني سقط من بينهما الحجاب وخلا وجهة كل منهما لصاحبه..
إنكم تكلفون المرأة ما تعلمون أنكم تعجزون عنه، وتطلبون عندها ما لا تجدونه عند أنفسكم، فأنتم تخاطرون بها في معركة الحياة مخاطرة لا تعلمون أتربحونها من بعد ذلك أم تخسرونها، وما أحسبكم -إن فعلتم- رابحين..
ما شكت المرأة إليكم ظلماً، ولا تقدمت إليكم طالبة أن تحلوا قيدها وتطلقوها، إنها لا تشكو إلا فضولكم وإسفافكم، ولصوقكم بها، ووقوفكم في وجهها حيثما سارت، وأينما حلت، حتى ضاق بها وجه الفضاء فلم تجد لها من سبيل إلا أن تسجن نفسها بنفسها في بيتها، تبرماً بكم، وفراراً من فضولكم، فوا عجباً لكم تسجنونها بأيديكم ثم تقفون على باب سجنها تبكونها وتندبون شقاءها.
إنكم لا ترثون لها بل ترثون لأنفسكم، ولا تبكون عليها بل على أيام قضيتموها في ديار يسيل جَوُّها تبرجاً وسفوراً، ويتدفق حرية واستهتاراً، وتودون لو ظفرتم هنا بهذا العيش الذي خلفتموه هناك.
عاشت المرأة حقبة من دهرها مطمئنة في بيتها راضية عن نفسها وعن عيشتها، ترى السعادة كل السعادة في واجب تؤديه لنفسها، أو وقفة تقفها بين يدي ربها، أو عطفة تعطفها على ولدها، أو جلسة تجلسها إلى جارتها فتبثها ذات نفسها، وتستبثها سريرة قلبها، وترى الشرف كل الشرف في خضوعها لأبيها وائتمارها بأمر زوجها ونزولها عند رضاهما، وكانت تفهم معنى الحب وتجهل معنى الغرام فتحب زوجها لأنه زوجها، كما تحب ولدها لأنه ولدها، فإن رأى غيرها من النساء أن الحب أساس الزواج، رأت هي أن الزواج أساس الحب، فقلتم لها إن هؤلاء الذين يستبدون بأمرك من أهلك ليسوا بأوفر منك عقلاً ولا أفضل رأياً ولا أقدر على النظر لك من نظرك لنفسك، فلا حق لهم في هذا السلطان الذي يزعمونه لأنفسهم عليك، فازدرت أباها وتمردت على زوجها، وأصبح البيت الذي كان بالأمس عرساً من الأعراس الضاحكة، مناحة قائمة لا تهدأ نارها ولا يخبو أوارها.
قلتم لها: لابدّ لك أن تختاري زوجك بنفسك حتى لا يخدعك أهلك عن سعادة مستقبلك، فاختارت لنفسه أسوأ مما اختار لها أهلها، فلم يزد عمر سعادتها على يوم وليلة ثم الشقاء الطويل بعد ذلك والعذاب الأليم.
وقلتم لها إن الحب أساس الزواج فما زالت تقلب عينيها في وجوه الرجال مصعدة مصوبة حتى شغلها الحب عن الزواج.
وقلتم لها أن سعادة المرأة في حياتها أن يكون زوجها عشيقها، وما كانت تعرف إلا أن الزوج غير العشيق، فأصبحت تطلب في كل يوم زوجاً جديداً يحيي من لوعة الحب ما أمات القديم، فلا قديماً استبقت ولا جديداً أفادت.
وقلتم لها لابدّ لكِ أن تتعلمي لتحسني تربية ولدك والقيام على شؤون بيتك، فتعلمت كل شيء إلا تربية ولدها والقيام على شؤون بيتها.
وقلتم لها إنا لا نتزوج من النساء إلا من نحبها ونرضاها ويلائم ذوقها ذوقنا، فكان لابدّ لها أن تعرف مواقع أهوائكم، ومسارح أنظاركم لتتجمل لكم بما تحبون، فراجعت فهرس أعمالكم في حياتكم صفحة صفحة فلم تر فيه غير أسماء الخليعات والمستهترات والضاحكات اللاعبات، والإعجاب بهن والثناء على ذكائهن وفطنتهن، فتخلعت واستهترت لتبلغ رضاكم، وتنزل عند محبتكم، ثم تقدمتْ إليكم بهذا الثوب الرقيق الشفاف تعرض نفسها عليكم عرضاً كما يعرض النخاس أمته في سوق الرقيق، فأعرضتهم عنها، ونبوتم بها، وقلتم لها إنا لا نتزوج النساء العاهرات كأنكم لا تبالون أن يكون نساء الأمة جميعاً ساقطات إذا سلمت لكم نساؤكم، فرجعت أدراجها خائبة منكسرة، وقد أباها الخليع، وترفع عنها المحتشم، فلم تجد بين يديها غير باب السقوط فسقطت
(ذهب فلان إلى أوروبا وما ننكر من أمره شيئاً، فلبث فيها بضع سنين ثم عاد وما بقي مما كنا نعرفه عنه شيء. ذهب بوجه كوجه العذراء ليلة عرسها، وعاد بوجه كوجه الصخرة الملساء تحت الليلة الماطرة.. وذهب بقلب نقي طاهر، يأنس بالعفو ويستريح إلى العذر، وعاد بقلب مظلم مدخول، لا يفارقه السخط على الأرض وساكنها، والنقمة على السماء وخالقها. وذهب بنفس غصـة خاشعة ترى كل نفس [مسلمة] فوقها، وعاد بنفس ذهابة نزاعة لا ترى شيئاً فوقها، ولا تلقي نظرة واحدة على ما تحتها، ذهب وما على وجه الأرض أحب إليه من دينه وأهله، وعاد وما على وجهها أصغر في عينيه منهما.
كنت أرى أن هذه الصورة الغريبة التي يتراءى فيها هؤلاء الضعفاء من الفتيان العائدين من تلك الديار إلى أوطانهم إنما هي أصباغ مفرغة على أجسامهم إفراغاً تطلع عليه شمس المشرق فتمحوها كأن لم تكن، وأن مكان المدنية الغربية من نفوسهم مكان الوجه من المرأة؛ أذا انحرف عنها زال خياله منها، فلم أشأ أن أفارقه وفاء لعهده السابق، ورجاء لغده المنتظر، محتملاً في سبيل ذلك من حمقه ووسواسه وفساد تصوراته وغرابة أطواره؛ ما لا طاقة لمثلي باحتمال مثله، حتى جاءني ذات ليلة بداهية الدواهي ومصيبة المصائب، فكانت آخر عهدي به.
دخلت عليه فرأيته واجماً مكتئباً، فحييته، فأومأ إلىّ بالتحية إيماءً. فسألته ما باله؟ فقال: مازلت منذ الليلة من هذه المرأة في عناء لا أعرف السبيل إلى الخلاص منه، ولا أدري مصير أمري فيه.. قلت: وأي امرأة تريد؟ قال: تلك التي يسميها الناس زوجتي، وأسميها الصخرة العاتية؛ القائمة في طريق مطالبي وآمالي.. قلت: إنك كثير الآمال؛ فعن أي آمالك تتحدث؟ قال: ليس لي في الحياة إلا أمل واحد وهو أن أغمض عيني ثم أفتحها فلا أرى غطاءُ على وجه امرأة في هذه الأمة..(!!) ([2]) قلت: ما لا تملكه ولا رأى لك فيه قال: إن كثيراً من الناس يرون في الحجاب رأيي، ويتمنون في أمره ما أتمنى ولا يحول بينهم وبين تمزيقه عن وجه نسائهم وإبرازهن إلى الرجال إلا العجز والضعف والهيبة التي لا تزال تلم بنفس الشرقي كلما حاول الإقدام على أمر جديد(!!)، فرأيت أن أكون أول هادم لهذا البناء العادي ([3]) القديم الذي وقف سداً دون سعادة الأمة وارتقائها دهراً طويلاً(!!) وأن يتم على يدي من ذلك ما لم يتم على يد أحد غيري من دعاة الحرية وأشياعه... ([4]) فعرضت الأمر على زوجتي فأكبرته وأعظمته، وخيل إليها أنني جئتها بنكبة من نكبات الدهر أو رزية من رزاياه، وزعمت أنها إن برزت للرجال فإنها لا تستطيع أن تبرز للنساء من بعد ذلك حياءً وخجلاً.. ولا خجل هناك ولا حياء ولكنه الموت والجمود(!!) فلابدّ ينتهي بإحدى الحسنين(!!) إما بشفائه أو بكسره.
فورد من حديثه ما ملأ نفسي هماً وحزناً وقلت له: أعالم أنت أيها الصديق بما تقول؟! قال: نعم؛ أقول الحقيقة التي أعتقدها وأدين نفسي بها، واقعة من نفسك ونفوس الناس جميعاً حيث وقعت.
قلت: هل تأذن لي أن أقول لك: إنك عشت برهة من الزمان في ديار قوم لا حجاب بين رجالهم ونسائهم، فهل تذكر أن نفسك حدثتك يوماً من الأيام وأنت فيهم، بالطمع في شيء مما لا تملك يمينك، فنلت ما تطمع فيه من حيث لا يشعر مالكه؟ قال: ربما وقع لي شيء من ذلك، فماذا تريد؟
قلت: أريد أن أقول لك إني أخاف على عرضك أن يلم به من الرجال ما ألمَّ بأغراض الرجال منك.
قال: إن المرأة الشريفة تستطيع أن تعيش بين الرجال من شرفها في حصن حصين لا تمتد إليه الأعناق (!!!)..
فتداخلني ما لم أملك نفسي معه، وقلت له: تلك هي الخدعة التي يخدعكم بها الشيطان أيها الضعفاء، والثلمة التي يعثر بها في رؤوسكم؛ فينحدر منها إلى عقولكم ومدارككم فيفسدها عليكم.. فالشرف كلمة لا وجود لها إلا في قواميس اللغة ومعاجمها، فإن أردنا أن نفتش عنها في قلوب الناس وأفئدتهم فإنا لا نجدها.. قال: أتنكر وجود العفة بين الناس؟!
قلت: لا أنكرها لأني أعلم أنها موجودة عند كثير من الناس ولكني سقط من بينهما الحجاب وخلا وجهة كل منهما لصاحبه..
إنكم تكلفون المرأة ما تعلمون أنكم تعجزون عنه، وتطلبون عندها ما لا تجدونه عند أنفسكم، فأنتم تخاطرون بها في معركة الحياة مخاطرة لا تعلمون أتربحونها من بعد ذلك أم تخسرونها، وما أحسبكم -إن فعلتم- رابحين..
ما شكت المرأة إليكم ظلماً، ولا تقدمت إليكم طالبة أن تحلوا قيدها وتطلقوها، إنها لا تشكو إلا فضولكم وإسفافكم، ولصوقكم بها، ووقوفكم في وجهها حيثما سارت، وأينما حلت، حتى ضاق بها وجه الفضاء فلم تجد لها من سبيل إلا أن تسجن نفسها بنفسها في بيتها، تبرماً بكم، وفراراً من فضولكم، فوا عجباً لكم تسجنونها بأيديكم ثم تقفون على باب سجنها تبكونها وتندبون شقاءها.
إنكم لا ترثون لها بل ترثون لأنفسكم، ولا تبكون عليها بل على أيام قضيتموها في ديار يسيل جَوُّها تبرجاً وسفوراً، ويتدفق حرية واستهتاراً، وتودون لو ظفرتم هنا بهذا العيش الذي خلفتموه هناك.
عاشت المرأة حقبة من دهرها مطمئنة في بيتها راضية عن نفسها وعن عيشتها، ترى السعادة كل السعادة في واجب تؤديه لنفسها، أو وقفة تقفها بين يدي ربها، أو عطفة تعطفها على ولدها، أو جلسة تجلسها إلى جارتها فتبثها ذات نفسها، وتستبثها سريرة قلبها، وترى الشرف كل الشرف في خضوعها لأبيها وائتمارها بأمر زوجها ونزولها عند رضاهما، وكانت تفهم معنى الحب وتجهل معنى الغرام فتحب زوجها لأنه زوجها، كما تحب ولدها لأنه ولدها، فإن رأى غيرها من النساء أن الحب أساس الزواج، رأت هي أن الزواج أساس الحب، فقلتم لها إن هؤلاء الذين يستبدون بأمرك من أهلك ليسوا بأوفر منك عقلاً ولا أفضل رأياً ولا أقدر على النظر لك من نظرك لنفسك، فلا حق لهم في هذا السلطان الذي يزعمونه لأنفسهم عليك، فازدرت أباها وتمردت على زوجها، وأصبح البيت الذي كان بالأمس عرساً من الأعراس الضاحكة، مناحة قائمة لا تهدأ نارها ولا يخبو أوارها.
قلتم لها: لابدّ لك أن تختاري زوجك بنفسك حتى لا يخدعك أهلك عن سعادة مستقبلك، فاختارت لنفسه أسوأ مما اختار لها أهلها، فلم يزد عمر سعادتها على يوم وليلة ثم الشقاء الطويل بعد ذلك والعذاب الأليم.
وقلتم لها إن الحب أساس الزواج فما زالت تقلب عينيها في وجوه الرجال مصعدة مصوبة حتى شغلها الحب عن الزواج.
وقلتم لها أن سعادة المرأة في حياتها أن يكون زوجها عشيقها، وما كانت تعرف إلا أن الزوج غير العشيق، فأصبحت تطلب في كل يوم زوجاً جديداً يحيي من لوعة الحب ما أمات القديم، فلا قديماً استبقت ولا جديداً أفادت.
وقلتم لها لابدّ لكِ أن تتعلمي لتحسني تربية ولدك والقيام على شؤون بيتك، فتعلمت كل شيء إلا تربية ولدها والقيام على شؤون بيتها.
وقلتم لها إنا لا نتزوج من النساء إلا من نحبها ونرضاها ويلائم ذوقها ذوقنا، فكان لابدّ لها أن تعرف مواقع أهوائكم، ومسارح أنظاركم لتتجمل لكم بما تحبون، فراجعت فهرس أعمالكم في حياتكم صفحة صفحة فلم تر فيه غير أسماء الخليعات والمستهترات والضاحكات اللاعبات، والإعجاب بهن والثناء على ذكائهن وفطنتهن، فتخلعت واستهترت لتبلغ رضاكم، وتنزل عند محبتكم، ثم تقدمتْ إليكم بهذا الثوب الرقيق الشفاف تعرض نفسها عليكم عرضاً كما يعرض النخاس أمته في سوق الرقيق، فأعرضتهم عنها، ونبوتم بها، وقلتم لها إنا لا نتزوج النساء العاهرات كأنكم لا تبالون أن يكون نساء الأمة جميعاً ساقطات إذا سلمت لكم نساؤكم، فرجعت أدراجها خائبة منكسرة، وقد أباها الخليع، وترفع عنها المحتشم، فلم تجد بين يديها غير باب السقوط فسقطت