[size=9]باتت أختي شاحبة الوجه نحيلة الجسم .. ولكنها كعادتها تقرأ القرآن الكريم .. تبحث عنها تجدها في مصلاها .. راكعة ساجدة رافعة يديها إلى السماء .. هكذا في الصباح وفي المساء وفي جوف الليل لا تفتر ولا تمل ..
كنت أحرص على قراءة المجلات الفنية والكتب ذات الطابع القصصي .. أشاهد الفيديو بكثرة لدرجة أنني عرفت به .. ومن أكثر من شئ عرف به .. لا أؤدي واجباتي كاملة ولست منضبطة في صلواتي ..
بعد أن أغلقت جهاز الفيديو وقد شاهدت أفلاماً متنوعة لمدة ثلاث ساعات متواصلة .. هاهو الأذان يرتفع في المسجد المجاور ..
عدت إلى فراشي ..
تناديني من مصلاها .. نعم ما ذا تريدين يا نورة ؟ .
قالت لي بنبرة حادة لا تنامي قبل أن تصلي الفجر ..
أوه .. بقى ساعة على صلاة الفجر وما سمعتيه كان الأذان الأول ..
بنبرتها الحنونة – هكذا هي حتى قبل أن يصيبها المرض الخبيث وتسقط طريحة الفراش .. نادتني .. تعالي يا هناء بجانبي .. لا أستطيع إطلاقاً رد طلبها .. تشعر بصفائها وصدقتها لا شك طائعاً ستلبي ..
ماذا تريدين ؟..
اجلسي
ها قد جلست ماذا لديك ..
بصوت عذب رخيم :
" كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة "
سكتت برهة .. ثم سألتني ..
ألم تؤمني بالموت ؟
بلى مؤمنة ..
ألم تؤمني بأنك ستحاسبين على كل صغيرة وكبيرة ؟.
بلى ولكن الله غفور رحيم .. والعمر طويل
يا أختي .. ألا تخافين من الموت وبغتته ؟.
انظري هند أصغر منك وتوفيت في حادث سيارة .. وفلانة .. وفلانة .. الموت لا يعرف العمر .. وليس مقاساً له ..
أجبتها بصوت الخائف حيث مصلاها المظلم ..
إنني أخاف من الظلام وأخفتيني من الموت .. كيف أنام الآن ؟.
كنت أظن أنك وافقت للسفر معنا هذه الإجازة ..
فجأة .. تحشرج صوتها واهتز قلبي
لعلي هذه السنة أسافر سفراً بعيداً .. إلى مكان آخر .. ربما يا هناء .. الأعمار بيد الله .. وانفجرت بالبكاء .. تفكرت في مرضها الخبيث وأن الأطباء أخبروا أبي سراً أن المرض لن يمهلها طويلاً .. ولكن من أخبرها بذلك ؟ .. أم أنها تتوقع ..
مالك تفكرين ؟
جاءني صوتها القوي هذه المرة ..
هل تعتقدين أني أقول هذا لأنني مريضة ؟..
كلا .. ربما أكون أطول عمراً من الأصحاء ..
وأنت إلى متى ستعيشين .. ربما عشرين سنة .. ربما أربعون سنة ثم ماذا ؟ .. لمعت يدها في الظلام وهزتها بقوة ..
لا فرق بيننا كلنا سنرحل وسنغادر هذه الدنيا إما إلى جنة وإما إلى نار ..
ألم تسمعي قول الله : " فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز " .
تصبحين على خير ..
هرولت مسرعة وصوتها يطرق أذني .. هداك الله .. لا تنسي الصلاة ..
الثامنة صباحاً ..
أسمع طرقاً على الباب .. هذا ليس موعد استيقاظي ..
بكاء .. وأصوات .. ماذا جرى ..
لقد تردت حالة نورة .. وذهب بها أبي إلى المستشفى ..
إنا لله وإنا إليه راجعون ..
لا سفر هذه السنة .. مكتوب علي هذه السنة في بيتنا .. بعد انتظار طويل ..
عند الساعة الواحدة ظهراً .. هاتفنا من أبي في المستشفى .. تستطيعون زيارتها هيا بسرعة
أخبرتني أمي أن حديث أبي غير مطمئن وأن صوته متغير ..
عباءتي في يدي ..
[/size]